مونديال إنجلترا 1966- جدل التحكيم، هاتريك هيرست، وسطوع نجم أوزيبيو

البلد المضيف: إنجلترا
الفائز باللقب: إنجلترا
المركز الثاني: ألمانيا الغربية
المركز الثالث: البرتغال
المركز الرابع: الاتحاد السوفيتي
هداف البطولة: النجم البرتغالي إوزيبيو (9 أهداف)
لم يكن أمام الإنجليز سبيل لمجاراة التطور الكروي العالمي والتتويج بلقب كأس العالم إلا باستضافة البطولة على أرضهم. فقد تأخروا طويلاً في دخول معترك المنافسة، حيث كانت أول مشاركة لهم بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1950. في تلك الفترة، كانت منتخبات الأوروغواي وإيطاليا وألمانيا والبرازيل قد سبقتهم بالفعل إلى منصة التتويج. ولكن في عام 1966، أصبحت إنجلترا الدولة الخامسة التي تحرز هذا اللقب المرموق، في بطولة شابها جدل تحكيمي.
شهدت هذه البطولة حادثة سرقة كأس العالم "جول ريميه" مرتين. المرة الأولى كانت قبل انطلاق البطولة بعدة أشهر، حيث سُرقت من معرض للطوابع في ويستمنستر، ليتم العثور عليها لاحقًا مدفونة تحت التراب بفضل الكلب "بيكلز".
أما المرة الثانية، فكانت في اليوم الختامي للمونديال، وتحديدًا يوم السبت الموافق 30 يوليو، عندما انتزع الإنجليز الكأس من الألمان في المباراة النهائية.
ابتهاجًا وفرحًا بهذه الاستضافة التاريخية، قام الإنجليز بتصميم أول تعويذة لكأس العالم على شكل أسد أطلقوا عليه اسم "ويلي"، لتصبح هذه الفكرة الإنجليزية تقليدًا راسخًا في جميع النسخ اللاحقة من المونديال.
شهدت هذه النسخة أيضًا ظهور الفحوصات الخاصة بالكشف عن المنشطات، وتم وضع قيود صارمة على نظام تجنيس اللاعبين. وكانت هذه البطولة الأقل من حيث عدد المنتخبات الأوروبية المشاركة مقارنة بالبطولات الأخرى التي استضافتها القارة العجوز.
انطلقت فعاليات البطولة بمباراة باهتة بين أصحاب الأرض وحامل اللقب آنذاك، منتخب الأوروغواي، لتكون هذه المباراة هي الأولى في تاريخ كأس العالم التي تنتهي بالتعادل السلبي. وفي سياق متصل، سجل الأسطورة بيليه هدفًا في مرمى بلغاريا، ليصبح أول لاعب في تاريخ كرة القدم يسجل في ثلاث نسخ مختلفة من كأس العالم (1958، 1962، 1966). والصدفة العجيبة أن هدفه كان الهدف الأول في نسخة 1966، بينما كان هو صاحب الهدف الأخير في مونديال 1962، ليصبح بذلك أول لاعب في العالم يختتم نسخة بهدف ويفتتح أخرى بهدف.
شهدت هذه البطولة المشاركة الأولى لمنتخب البرتغال في تاريخ المونديال، وبرز خلالها النجم الأسطوري "الفهد الأسود" إوزيبيو، الذي تألق بشكل لافت وتوج هدافًا للبطولة، وقاد منتخب بلاده لتحقيق المركز الثالث. كما شهدت البطولة أيضًا المشاركة الأولى لكوريا الشمالية، ممثلة عن قارة آسيا، بعد إقصائها لأستراليا في التصفيات، لتصبح ثالث منتخب آسيوي يشارك في هذه البطولة بعد إندونيسيا وجارتها كوريا الجنوبية.
وفي لفتة احتجاجية، انسحبت جميع المنتخبات الأفريقية ومعظم المنتخبات الآسيوية اعتراضًا على عدم منح الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مقاعد مخصصة ومباشرة لها في البطولة.
وتمكن منتخب كوريا الشمالية من تحقيق أول نقطة له في تاريخ مشاركاته في المونديال، وكانت أيضًا أول نقطة لقارة آسيا في تاريخ البطولة، وذلك أمام منتخب تشيلي. والمثير للدهشة أن هذه المباراة قادها الحكم العربي المصري علي قنديل، كأول حكم عربي في التاريخ يقود مباراة في النهائيات كحكم ساحة.
استمر منتخب كوريا الشمالية في تحقيق المفاجآت المذهلة، وتمكن من تحقيق فوز تاريخي على منتخب إيطاليا بهدف نظيف، وعجز الإيطاليون عن إدراك التعادل في شباك الحارس الشاب لي تشان، الذي كان يبلغ من العمر 19 عامًا فقط، واعتبر النقاد هذا الفوز أعظم مفاجأة في تاريخ نهائيات كأس العالم على الإطلاق!
وبذلك، تأهل منتخب كوريا الشمالية إلى الدور ربع النهائي كأول منتخب آسيوي يحقق هذا الإنجاز التاريخي، ليواجه منتخب البرتغال في مباراة مثيرة للغاية، حيث تقدم الكوريون بنتيجة (3-0) في أقل من نصف ساعة، قبل أن يعود المنتخب البرتغالي بقوة ويحقق الفوز بنتيجة (5-3) بفضل التألق اللافت للفهد الأسود إوزيبيو، الذي سجل أربعة أهداف (سوبر هاتريك)، ليصبح خامس لاعب في العالم يحقق هذا الرقم القياسي.
سيطرت أجواء التحكيم المشكوك فيه على معظم مباريات البطولة، وشابتها العديد من الأخطاء التحكيمية، خاصة ضد المنتخبات غير الأوروبية. وكان الحكام الإنجليز والألمان محط شك كبير، وانتشرت شائعات قوية تفيد بأن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك، الإنجليزي ستانلي راوس، قد أصدر تعليمات للحكام بالتساهل مع الخشونة المفرطة من جانب اللاعبين الأوروبيين ضد غيرهم، وهو الأمر الذي تسبب في خسارة البطولة لنجوم كبار مثل بيليه وغيره بسبب العنف والخشونة.
قاد حكم ألماني مباراة إنجلترا والأرجنتين وقام بطرد لاعب من الأرجنتين، وفي المقابل قاد حكم إنجليزي مباراة ألمانيا والأوروغواي وطرد لاعبًا من الأوروغواي، في مشهد يوحي بتبادل للأدوار.
شهدت مباراة الدور ربع النهائي بين البلد المضيف ومنتخب الأرجنتين أحداثًا مثيرة للجدل، حيث تم طرد قائد منتخب الأرجنتين والنتيجة تشير إلى التعادل السلبي (0-0) في أول نصف ساعة من المباراة، ووصف المدرب الإنجليزي رامزي لاعبي الأرجنتين بالحيوانات. وفي المقابل، قام الحكم الألماني بطرد لاعبين من منتخب الأوروغواي في مباراتهم ضد ألمانيا.
ودخل الحارس المكسيكي الكبير أنطونيو كارباخال التاريخ من أوسع الأبواب، حيث أصبح أول لاعب وحارس مرمى في التاريخ يشارك في المونديال خمس مرات، وذلك عندما خاض مباراة المكسيك والأوروغواي، ولم يتمكن أي لاعب آخر من معادلة رقمه القياسي إلا بعد مرور 32 عامًا.
نصف نهائي أوروبي خالص
لأول مرة منذ نهائيات إيطاليا 1934، وبعد مرور 32 عامًا، شهد الدور نصف النهائي من البطولة مشاركة أربعة منتخبات أوروبية خالصة. جمعت المباراة الأولى بين ألمانيا الغربية والاتحاد السوفيتي وشهدت عنفًا كبيرًا، بينما جمعت المباراة الثانية بين إنجلترا المضيفة والبرتغال ولم تختلف كثيرًا عن سابقتها من حيث العنف.
أعادت هاتان المباراتان إلى الأذهان ذكريات الدور نصف النهائي من نسخة 1930، والتي انتهت بنفس النتيجة (2-1) لكل منتخب.
نهائي ويمبلي والكأس المسروقة
حملت المباراة النهائية بين إنجلترا المستضيفة وألمانيا الغربية، التي أقيمت في 30 يوليو 1966، الرقم 200 في تاريخ مباريات كأس العالم، وتصادف هذا التاريخ مع الذكرى السادسة والثلاثين لفوز منتخب الأوروغواي بأول كأس عالمية. افتتح منتخب ألمانيا الغربية التسجيل أولًا، ولكن القاعدة السائدة حتى ذلك الوقت كانت تشير إلى أن الفريق الذي يسجل أولًا في النهائي غالبًا ما يخسر، وهو ما حدث مع منتخبات تشيكوسلوفاكيا (1934)، والبرازيل (1950)، والمجر (1954)، والسويد (1958)، وتشيكوسلوفاكيا (1962).
نجح الإنجليز في إدراك التعادل ثم التقدم، ولكن الألمان، الذين اشتهروا بعدم الاستسلام، عادلوا النتيجة في الدقيقة الأخيرة، لتنتهي المباراة بالتعادل ويحتكم الفريقان إلى الأشواط الإضافية لأول مرة منذ نهائي 1934 (بعد مرور 32 عامًا). سجل جيف هيرست هدفًا ثالثًا في الوقت الإضافي، وهو هدف أثار جدلًا واسعًا، حيث لم تتجاوز الكرة خط المرمى بشكل كامل، وقد تم احتساب الهدف بناءً على قرار الحكم المساعد الروسي توفيق باخراموف بعد استشارة حكم الساحة السويسري.
سجل هيرست كذلك الهدف الرابع بعد أن كان قد سجل الهدف الأول وهدف التعادل، ليصبح بذلك أول وآخر لاعب في تاريخ كرة القدم يسجل ثلاثة أهداف (هاتريك) في مباراة نهائية لكأس العالم، وأطول هاتريك في تاريخ البطولة (102 دقيقة) بين الهدف الأول والثالث. وفي نهاية المباراة، توجت الملكة إليزابيث الثانية منتخب بلادها بالكأس الغالية.
* مؤرخ رياضي